رسالة: "الحب بين الله وعباده"
لــ نبيل عطوة
هي عبارة عن رسالة لا تتجاوز عدد صفحاتها الأربعين صفحة،
كنت أبحث عن كتاب يُشدني للقراءة، كتاب أبُحر معه في عالم آخر، عالم روحاني صافي
نقي، ينتشلني من العالم إلى جنة الدنيا، وكم تمنيت بعد قرءاتي لتلك الرسالة أن
أطير إلى جنة الآخرة.
وبعد قراءة أكثر من نصف الكتاب، لم تتملكني مشاعري، حيث
ضحكت بصوت عالي من الفرحة والبهجة الحقيقية، وقمت توضأت وصليت صلاة شكر لله عز
وجل، حبيبي ياالله.
تمنيت أن أموت وأنا ساجدة، حسن الخاتمة، أن ألتقى بربي،
بعد هذا الشعور العظيم بالحب، الحب الحقيقي المجرد الصافي، حب بكل ما تحمل تلك الكلمة
من معنى.
"أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدًا رسول
الله" هكذا استعددت للموت الجميل.
حاصرتني أفكار في الصلاة من الحيرة بين أنني أريد أن
أكون في جنة الآخرة الآن، وبين أنني أريد أن أبقى في جنة الدنيا وأعيش في رحاب
الله الدنيوى، وأكمل رسالتي في الحياة.
وقبل اللحظة الأخيرة من السجود دعوت الله يارب لو كانت
الجنة الدنيوية هي الخير لي فأبقيني فيها، وإن كانت جنتك السرمدية هي الخير لي
فألحقني بها.
وفي اللحظة الأخيرة من سجدتي، ساد الصمت، نعم أصابني
الصمت في حالة إنتظار أن يأخدني الله إلى جنته السرمدية.
ثواني معدودة مضت، أراد الله عز وجل أن أبقى على قيد
الحياة، قمت من صلاتى، مستبشرة خير بحياتى في حب الله في كل أقوالي وأفعالي
وأنفاسي ونبضات قلبي.
قلبي ينبض بحب الله بصدق لا مثيل له، هو الأول الذي ليس
قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، فمن أحب غير سواك يالله.
عدت مرة أخرى لصفحات الرسالة، قليلة الصفحات عميقة
المضمون والمعنى، وعشت أجمل اللحظات في رحاب الله.
إن مضمون تلك الرسالة تتمثل في كيف تكون العلاقة بين
الله عز وجل وعباده المؤمنين بصفة خاصة، والعالمين من البشر بصفة عامة. وتتضمن
أيضًا الكيفية التي يعرف بها العبد حب الله له حتى وهو عاصٍ، وكيفية التقرب من
الله سبحانه وتعالى.
هذه الرسالة بمثابة دعوة للفرحة بحب الله لنا، وللسعادة
الأبدية في الدنيا والآخرة، وطريقًا للهدى والنور والنجاه من نار الدنيا وعذاب
الآخرة، وحرزًا من الشيطان والتغلب على قهر الشطان لنا من جحيم الوسواس.
إنها رسالة لكل من ضل السبيل، من انحدر في منحنى يُسقطه
للأسفل، لكل من أراد أن يصعد للأعلى حيث طريق النور والبركة وسلام النفس ونقاء
السريرة والشفافية والصدق مع الله.
معنى الحب بين الناس:
هو أن تميل لحب شخص آخر، وأن يستولى هذا المحبوب على
عقلك وقلبك وروحك، ولا تفكر في أحد غيره، وأن تغار عليه، وتفعل له كل ما يحب منك.
ولكن أتساءل! أليس الله أحق بتلك المحبة المُطلقة؟
العلاقة بين المحب والمحبوب:
إن العلاقة بين المُحب والمحبوب تتمثل في ثلاثة أطراف:
أولها: المحبوب الذي لابد أن تتوافر فيه أسباب الجذب من جمال وكمال تجعل الطرف
الثانى: المتمثل في المحب يتعلق ويُعجب به. أما الطرف الثالث والأخير
يتمثل في: الرابطة التي بين المُحب والمحبوب فإذا كانت صفات المحبوب قوية ومتفردة
زادت الرابطة بينهما، إما
إذا كانت صفات المحبوب ضعيفة ضعفت العلاقة بينه وبين المُحب.
إذا كانت صفات المحبوب ضعيفة ضعفت العلاقة بينه وبين المُحب.
ولا يوجد في الكون بأسره محبوب أعظم من الله عز وجل مالك
صفات الجمال والجلال والحب، فإن الله جميل يحب الجمال.
والمؤمن هو الذي يُضاء بداخله شعلة حب الله، ويفيض الله
عليه الحب، ويضيء له الطريق، فيسير المؤمن على مراد الله وينشر الحب بين الناس.
أنواع المحبوبات:
تنقسم المحبوبات إلى قسمين: القسم الأول: المحبوب لذاته
وهو الحب لله عز وجل. القسم الثاني: الحب لغير ذات الله. فليكن الحب الأساسي هو حب
الله عز وجل ثم يليه حب الناس في الله. يتفرع من الأصل وهو حب الله، حب الناس في
الله.
محبة الله لعباده:
يتمثل حب الله لنا في كل شيء حولنا، في تسخيره لكل النعم
للإنسان، في خلقه في أحسن تقويم، في تمييزه عن باقي الكائنات، في منحه لنا العقل
والتفكير والتدبر.
الله لا يحتاج لنا ولا يريد منا شيئًا وقد خلقنا لأنه
يحبنا وأن ننعم بجنات الدنيا في حبه ونصل لجنات الآخرة.
ومن مظاهر حب الله لنا أنه خلقنا بيده دون واسطة قال
تعالى: "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى أستكبرت أم كنت من
العالين" ويُقصد باليد في تلك الآية: القدرة أي قدرة الله بفعل الخلق للبشر.
ويُطرح السؤال التالي: لو انك صنعت شيئًا بيدك ألا تحب
هذا الشيء، ولو أعددت طعامًا بنفسك ألا تحب هذا الطعام، حتى ولم يكن شهيًا؟
ولله المثل الأعلى، فهو الله الذي خلقنا من عدم، وهذا
دليل أنه يحبنا.
الله يحبنا لدرجة الإحسان إلينا، فنحن نذنب ونذنب وننخرط
في المعاصي، وهو الله الذي لا إله إلا هو يغفر لنا ويسترنا ويهدينا إلى سواء
السبيل.
يعزنا الله ويرفع من شأننا عندما نتقرب إليه بصدق،
ويذلنا الله عندما ننحرف عن المسار تربيةً لنا وتقويمًا للعودة إلى الصواب
والانخراط في حبه.
إن الله عز وجل حينما خلقنا لم يفرق بين مؤمن وكافر،
وإنما أثبت خلقه لكل الموجودات، وبذلك يكون التكريم والإحسان للإنسان عمومًا، فمن
قبل محبة الله أصبح مؤمنًا، ومن رفض محبة الله أصبح كافرًا.
نفخ الله فينا من روحه حينما خلقنا وسوانا من طين، وكان
هذا تكريمًا وحبًا للإنسان من الله. كما أن
سجود الملائكة لآدم اتباعًا لأمر الله عز وجل تحيه
وتكريم لا سجود عبادة.
وينقسم حب الله لعباده إلى قسمين:
1-
محبة الله لعباده المؤمنين في الدنيا: هو منح الخير
لعباده أجمعين، لكل العالمين، هذه المحبة تتمثل في اسم الله الرحمن: والذي ينزل
رحمته لكل العالمين، لكل مخلوقاته، من تيسير لكل صعب والرزق إنه عطاء الربوبية،
ولكن عطاء الربوبية ينتهى عند الكافر إلى حد الدنيا فقط.
2-
محبة الله لعباده المؤمنين في الآخرة: هي تلك المحبة
التي يختص بها الله عباده المؤمنين، تتمثل تلك المحلة في اسم الله الرحيم أي:
الرحيم بعباده المخلصين، وتمتد تلك المحبة إلى الآخرة. فيحظى المؤمن والعابد لله بجنة
الدنيا وجنة الآخرة.
المؤمن الحقيقي يبقى في معية الله، فالله إذا أحب عبدًا أحاطه برعايته
ويرعاه، فلا يعذبه، ولايؤذيه، ويذل من يعاديه، ويرزقه العزة، فلا يسمع الا ما يرضى
الله، ولا يبصر إلا ما يحبه الله، وكانت يده وجوارحه في طاعة الله، فيتعلق بالقرآن
والصلاة ويبقى في ظل الرحمن.
ومن دلائل حب الله سعة العيش، والبركة في الرزق،
والطمأنينة في الدنيا، ويرزق الله الإنسان الذي يحبه الرضا والقناعة والاستجابة
للدعاء.
ويعد الله لمن يحبهم الجنة مالم يخطر على قلب بشر، الجنة
التى وعد بها المتقين، ودوام النعيم والستر والمغفرة وان يمحو الله الذنوب من
ذاكرة احبائه حتى لا يفكرون بها فيتألمون، ولا يكون لديهم حرج في التنعم بجنات
الله في الآخرة.
أما أعظم نعمة وحب أنعمها الله على أصحاب الجنة من
المؤمنين هي رؤية الله عز وجل، النظر إلى وجهه الكريم، فيتجلى عليهم سبحانه وتعالى
بنوره، فلا يرون أحب من ذلك أبدا.
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته:
من أعظم النعم التي أرسلها الله لنا في الدنيا والآخرة،
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، رسولنا العظيم الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور،
من الضلال إلى إلى النور، من طريق التخلف والجاهلية إلى التقدم والحضارة.
ومن دلائل حب رسولنا لنا أنه سيشفع لنا يوم القيامة،
سيدعو لنا ويقول أمتي أمتي، وسنتلتقى معه في الفردوس الأعلى ونأنس به، ونتحدث
إليه، حبيبنا وشفعينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
محبة الملائكة للمؤمنين:
من حب الله لنا ان الملائكة تحب المؤمنين وتستغفر لهم، إن
الله يحب العاصي أيضًا، لأنه بعد أن يذنب مهما بلغت هذه الذنوب عنان السماء ووصلت
حتى السحاب فإن الله يغفر للعاصي متى تاب وحينما تضيق عليه الدنيا، لا يموت وإنما
يمنحه الله فرصة أخرى في الحياة للتوبة والرجوع والخضوع لحب الله.
محبة العبد لله:
حينما يُسخر الله لك كل شيء حولك، ويمنحك القبول في
الأرض، وحب الناس، يمنحك الرزق وسعة العيش، يمنحك الحب. ألا يستحق الله أن تبادله
الحب بصدق؟
كيف تحب الله؟
حب الله بالقول والعمل، كن صادق مع الله، راقب الله في
أفعالك وسلوكك وعلاقاتك مع البشر، كن متسامح من أجل الله، انصت لأوامر الله
ونفذها، كن عبدًا لله، استمتع بالحياة على مراد الله.
حب من حولك في الله، تعامل معهم بإحسان ورفق ومحبة في
الله ولله، اعمل الخير من أجل الله، كن في رحاب الله.
وإياك أن تحب شيئًا مع الله، فهناك فرق بين الحب في الله
ومن أجل الله، وبين حب شيء آخر مع الله، قد يكون دون قصد وإدراك منك، ولكن تعلم من
الآن أن يكون حبك لكي شيء في الدنيا جميل من أجل الله، لكي تنعم بحب الله.
تقرب لله بالنوافل وقراءة القرآن والذكر والعمل المخلص
من أجل نيل مرتبة عليا من الحب عند الله.
والحب لله يكون عن طيب خاطر لا قهر، فقد منحنا الله
طريقين وترك لنا الاختيار، إما طريق الخير أو طريق الشر، طريق النار أو طريق
الجنة.
ولا تحب الله لمجرد أن تدخل الجنة وخوفًا من النار، حب
الذات الإلهية، حب الجمال في الله، حب الله لذاته بالرغم من أنه لا حرج في أن تحب
الله طمعًا في جنته، ولكن ليكن حبك لله أكثر صفاءًا وشفافية لنيل رضا وحب الله،
أرقى وأجمل حب في الوجود بأسره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق